من جديدٍ وبأدلَّةٍ جديدةٍ: (وجوب ) جزم المضارع في جواب الطَّلب إذا تَرَتَّبَ عليه

يسري سلال 06 يوليو 2020 | 4:07 ص Uncategorized 2204 مشاهدة

سينقسم هذا المقال إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأوَّل: المقدِّمة
القسم الثَّاني: دليلٌ فاصلٌ وجديدٌ على (وجوب ) جزم الجواب المترتِّب على الطَّلب
القسم الثَّالث: ملاحظةٌ ولا أروع في جملة (اعمل لنفسك عملا يكن لك حصن من النَّار )

القسم الأوَّل: المقدِّمة
سبق أن نشرتُ دراسةً شاملةً على عدَّة أجزاء، تناولتُ فيها قضيَّة جزم المضارع في جواب الطَّلب، ويمكن لمَن لم يتابعها أن يعود إليها على مدوَّنتي الشَّخصيَّة بموقع (نحو دوت كوم ).

وقد خلُصتُ في الدِّراسة إلى أنَّ معنى (جواز ) جزم المضارع الواقع في جواب الطَّلب، لا يعني ما يعتقده غالبيَّة المعلِّمِين من جواز الجزم وجواز الرَّفع، وإنَّما المقصود بـ (الجواز ) هنا أنَّ المضارع الواقع في جواب الطَّب لا يُجزَم إلا بشرطٍ، والشَّرط هو تَرَتُّب الجواب على الطَّلب:
– فإن تَرَتَّب الجواب على الطَّب جُزِم الفعل (وجزمه آنئذٍ واجب )، كما في قولك: ذاكروا تنجحوا.
فالفعل (تنجحوا ) مجزومٌ لوقوعه في جواب الطَّلب، وجزمه هنا واجب؛ لأنَّه مُتَرَتِّبٌ على الطَّلب، ولذا لا يصحُّ مطلقًا القول: ذاكروا تنجحون.
ملاحظة: آية تَرَتُّب الجواب على الطَّلب أن يصحَّ تقدير الشَّرط مكانه: إن تذاكروا تنجحوا.

– وإن لم يَتَرَتَّب الجواب على الطَّلب (وآيته ألا يصحّ تقدير الشَّرط ) يمتنع الجزم. كما في قولنا: اغتنِمْ فرصةً تظهر لك؛ فالفعل (تظهر ) مرفوعٌ لا مجزوم، والسَّبب عدم ترتُّب الجواب على الطَّلب؛ فلا يصحُّ مطلقًا تقدير الشَّرط هنا: إن تغتنم فرصةً تظهر لك؛ حيث إنَّ الجملة الشَّرطيَّة هنا تعني أنَّ ظهور الفرصة مشروطٌ باغتنامها، في حين أنَّ العكس هو الصَّحيح (اغتنام الفرص مشروطٌ بظهورها ).

وكذا في قول الله – عزَّ وجلَّ -: “واتَّقوا يومًا تُرجَعون فيه إلى الله “.
لماذا لم يقل الله – سبحانه وتعالى -: تُرجَعوا …؟
لأنَّ معنى الآية لا يمكن أن يكون: إن تتَّقوا يومًا تُرجَعون فيه إلى الله؛ حيث المعنى هنا أنَّ رجوعك إلى الله يوم القيامة مشروطٌ بخوفك من هذا اليوم، وهذا غير صحيحٍ؛ فأنتم ستُرَدُّون إلى الله يوم القيامة، سواءً أخفتم من هذا اليوم أو آمنتم به، أم أنكرتموه ولم تخشوه.

أيضًا في قولك: اعمل عملا يقرِّبك إلى الله.
فرفع (يقرِّبك ) واجب، بينما جزمه مستحيل؛ لأنَّني إنَّما قصدتُ من طلبي أن يعمل المخاطَب العمل الذي يقرِّبه إلى الله تحديدًا (وليس أيّ عملٍ آخر )، وبالتَّالي فجملة (يقرِّبك إلى الله ) قد وقعت نعتًا لا جوابًا للطَّلب أصلا.
في حين أنَّ عدَّ الفعل مجزومًا (بصفته واقعًا في جواب الطَّلب ) يعني أنَّ معنى الجملة: إن تعمل عملا يقرِّبك إلى الله، وهذا المعنى فاسد؛ لأنَّه يجعل المهمَّ هو أداء العمل لذاته، وهذا ساقط؛ إذ لا يقرِّب إلى الله من الأعمال إلا الأعمال الصَّالحة والخالية من الرِّياء مثلا.

أمَّا المعضلة المتمثِّلة في ورود بعض الأفعال بعد الطَّلب في القرآن بقراءتَين (الرَّفع والجزم )، فسببها أيضًا ليس جواز الجزم وجواز الرَّفع كما يتوهَّمون، وإنَّما كلُّ قراءةٍ تختلف كلِّيًّا عن الثَّانية:
أ – فمثلا في سورة طه 69: “وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا “. قرأ بعضهم (تلقفْ ) بالجزم، وقرأ آخرون (تلقفُ ) بالرَّفع.
ولكنَّ (جواز ) الرَّفع والجزم هنا لا علاقة له بـ (جواز ) جزم المضارع في جواب الطَّلب:
– فمَن قرءوا بالجزم عدُّوا الفعل واقعًا في جواب الطَّلب (والمعنى: إن تُلقِ ما في يمينك تلقفْ ما صنعوا ).
– بينما مَن قرأ بالرَّفع، عدَّ جملة (تلقف ) حالا، وهذا يخرجها نهائيًّا من باب جواب الطَّب (والمعنى: ألقِ ما في يمينك حال كونه يلقفُ ما صنعوا ).

ب – في سورة مريم 5 ، 6: “فهب لي من لدنك وليًّا * يرثني ويرث من آل يعقوب “. قرأ بعضهم (يرثْني ) بالجزم، وقرأ آخرون (يرثُني ) بالرَّفع.
والأمر أيضًا لا علاقة له بـ (جواز ) جزم المضارع في جواب الطَّلب، وإنَّما مَن قرأ بالجزم قرأه بوصف الفعل واقعًا في جواب الطَّلب، بينما مَن قرأ بالرَّفع عدَّ (يرثني ) قد وقع نعتًا لا جوابًا لطَّلب أصلا.

القسم الثَّاني: دليلٌ فاصلٌ وجديدٌ على (وجوب ) جزم الجواب المترتِّب على الطَّلب
في قول الله – عزَّ وجلَّ -: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا “.
طبعًا إثبات ياء (وتزكِّيهم ) دليلٌ على رفع الفعل، ورفع الفعل دليلٌ على رفع (تطهِّرهم )، ورفع (تطهِّرهم ) دليلٌ على إخراجه من الوقوع في جواب الطَّلب إلى عدِّه نعتًا للنَّكرة المنصوبة (صدقة ).

ولكن السُّؤال الحاسم حول الرَّفع هنا هو:
هل الفعل مرفوعٌ بصفة جملة (تطهِّرهم ) قد وقعت نعتًا (والمعنى: خذ من أموالهم صدقةً صفتها أنَّها تطهِّرهم وتزكِّيهم )، أم أنَّه مرفوع لأنَّ الفعل الواقع في جواب الطَّلب جائز الجزم وجائز الرَّفع (والمعنى: إن تأخذ من أموالهم صدقةً فإنَّك تطهِّرهم وتزكِّيهم بها )؟ وهل هناك تناقُضٌ بين هذا وذاك؟

من المستحيل جواز الأمرَين معًا (مرفوع لوقوع جملة الفعل نعتًا – مرفوع لأنَّ جزم جواب الطَّلب جائز )، وإنَّما وقوع الجملة نعتًا، يعني بالضَّرورة حتميَّة عدم وقوع الفعل في جواب الطَّلب، وعدُّ الفعل واقعًا في جواب الطَّلب، ينفي قطعًا كون الجملة قد وقعت نعتًا، وذلك لسببَين:
الأوَّل: أنَّ معنى الجملة إن تكوَّنت من طلبٍ (أمر ) وجوابه، يختلف قطعًا عن معناها إن تكوَّنت من طلبٍ وجملة نعتٍ.
والثَاني (وهي المعضلة الكبرى ): أنَّنا لو سلَّمنا بوجود طلبٍ وجوابٍ مترتِّبٍ عليه، لعاد الفعل (تطهِّرهم ) على الرَّسول (صلَّى الله عليه وسلَّم )، ولكان فاعل (تطهِّرهم ) ضميرًا مستترًا تقديره (أنتَ )، بينما لو عددنا جملة (تطهِّرهم ) قد وقعت نعتًا، لعاد الفاعل على (صدقة )، ولكان تقدير الفاعل المستتر (هي ).

إذن، الرَّفع هنا يستحيل أن يكون سببه وقوع الفعل في جواب الطَّلب، ويستحيل أيضًا جواز جزم الفعل المضارع الواقع في جواب الطَّلب وجواز رفعه.

فلو صحَّ ما يقولون من أنَّ (جواز ) جزم المضارع في جواب الطَّلب يعني جواز الجزم وجواز الرَّفع:
1 – لما أمكننا أن نعرف – على وجه اليقين – هل الرَّفع في الآية سببه وقوع الفعل في جواب الطَّلب، أم وقوع الجملة نعتًا (وشتَّان بين هذا وذاك ).
2 – ولجاز الوجهان معًا هنا (على ابتعاد الشُّقَّة بينهما ).
3 – ولاستحال علينا عقلا ومنطقًا أن نميِّز علامَ يعود الفعل تطهِّرهم (على الرَّسول، أم على كلمة صدقة ).
4 – ولما تمكَّنَّا من معرفة تقدير الفاعل المستتر في الآية (أنتَ، أم هي )!!

والخلاصة إذن:
1 – الرَّفع هنا يستحيل أن يكون لوقوع الفعل في جواب الطَّلب.
2 – وإنَّما السَّبب الوحيد للرَّفع وقوع الجملة نعتًا (وهذا يقطعها عن الوقوع في جواب الطَّلب ).
3 – ولو عُدَّ الفعل واقعًا في جواب الطَّلب لوجب الجزم وحده.
4 – جواز جزم المضارع الواقع في جواب الطَّلب (المترتِّب عليه ) مجرَّد شبهةٍ مردودة ليس إلا.

القسم الثَّالث: ملاحظةٌ ولا أروع في جملة (اعمل لنفسك عملا يكن لك حصن من النَّار )
في هذه الجملة:
أ – يجوز: يكن.
ب – ويجوز: يكون.
وسبب جواز الوجهَين لا علاقة له بـ (جواز ) جزم المضارع الواقع في جواب الطَّلب، وإنَّما:
أ – يجوز: يكن (والفعل واقعٌ في جواب الطَّلب ).
ب – ويجوز: يكون (والجملة قد وقعت نعتًا ).

اللَّمحة اللَّافتة هنا ليس جواز (يكون – يكن )، وإنَّما هي ما سيترتَّب على كلمة (حصن ) من التَّغيير!!
1 – إذا عددنا الجملة نعتًا، فالرَّفع واجب (يكون )، والأهمُّ إعراب (حصن ) في هذه الحالة خبرًا لكان (والاسم ضميرٌ مستترٌ ):
(اعمل لنفسك عملا يكون [هو ] لك حصنًا من النَّار ).

2 – أمَّا إذا عددنا الفعل واقعًا في جواب الطَّلب، وجزمناه بناءً على ذلك (يكن )، فإنَّه سيجوز رفع كلمة حصن على أنَّها اسمٌ مؤخَّرٌ لـ (يكن )، والخبر شبه الجملة لك
(اعمل لنفسك عملا يكن لك حصنٌ من النَّار ) والتَّقدير: …. يكن حصنٌ من النَّار لك.
كما سيجوز نصبها على أنَّها خبر لـ (كان )، واسمها ضميرٌ مستترٌ تقديره (هو ):
(اعمل لنفسك عملا يكن لك حصنًا من النَّار ) والتَّقدير: ….. يكن هو حصنًا لك من النَّار.

إذن:
أ – الجزم في جواب الطَّلب:
يجوز: اعمل لنفسك عملا يكن لك حصن (اسم كان مؤخَّر، وشبه الجملة قبله خبر مقدَّم ) من النَّار.
ويجوز: اعمل لنفسك عملا يكن لك حصنًا (خبر كان، والاسم مستتر ) من النَّار.

ب – الجملة وقعت نعتًا:
اعمل لنفسك عملا يكون لك حصنًا (خبر كان، والاسم مستتر ) من النَّار.

ولكنَّ السُّؤال المهمَّ:
في حالة جملة النَّعت: لماذا جاز (حصنًا )، ولم يجُز (حصنٌ )؟؟
والإجابة:
– في حالة (حصنًا ): اسم (كان ) ضمير مستترٌ تقديره (هو )، يعود على المنعوت (عملا )، وهذا الضَّمير هو العائد (الرَّابط ).
– أمَّا في حالة (حصن ): فإنَّ (حصن ) اسم (كان )، والخبر شبه الجملة (لك )، وهذا معناه عدم اشتمال جملة النَّعت على رابطٍ يعود على المنعوت، وهذا محال!!