عودةٌ إلى قضيَّة (جواز ) جزم الفعل المضارع في جواب الطَّلب

يسري سلال 22 أكتوبر 2018 | 12:06 ص قضايا نحويَّة 7085 مشاهدة

سبق أن تحدَّثنا في هذا الموضوع، وأكَّدنا أنَّ (جواز ) جزم الفعل المضارع الواقع في جواب

الطَّلب لا يعني جواز جزمه وجواز رفعه، وإنَّما (جواز ) الجزم هنا يعني أنَّه لا يُجزَم بشكلٍ

مطلقٍ لمجرَّد وقوعه في جواب الطَّلب، وإنَّما يُجزَم عند وقوعه في جواب الطَّلب (بشرطٍ )

، وهو ترتُّب الجواب على الطَّلب، فإن لم يترتَّب الجواب على الطلب لم يجُز الجزم، وإن

تحقَّق الشَّرط فالجزم حينئذٍ واجب.

وأكَّدنا مرارًا أنَّ معنى (جواز ) جزم الفعل هنا يختلف كلِّيًّا عن معنى (جواز ) توكيد

المضارع بالنُّون مثلا؛ ففي حين يعني (جواز ) توكيد الفعل المضارع بالنُّون جواز توكيده

وجواز عدم توكيده، لا يعني (الجواز ) هنا جواز الجزم وجواز الرَّفع.

وما كان يمكن للرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم أن يقول: صوموا تصحُّون!!

ولا يجوز لك أن تقول: ذاكروا تنجحون، باعتبار الجزم هنا جائزًا؛ لأنَّ الجزم في الجملة

واجب؛ حيث ترتَّب الجواب على الطَّلب؛ ولذا فلا بديل عن القول: ذاكروا تنجحوا.

المشكلة أنَّ أكثر من 95 % من الأخوة لا يريدون أن يقتنعوا بذلك، وأعرف أنَّ تغيير

القناعات التي تربَّينا عليها صعب؛ خصوصًا إن كان عمر هذه القناعات عشرات السِّنين،

ولكنَّ هذه هي الحقيقة التي لا تقبل الشَّكَّ: إذا كان الجواب مترتِّبًا على الطَّلب فالجزم (واجب ).

وقد يقول قائل: ما دام (الجواز ) هنا لا يعني جواز الجزم وغيره، فلماذا استعمل النُّحاة

هذا المصطلح؟
والواقع أنَّ النُّحاة – جزاهم الله عنَّا خيرًا – عندما قالوا ذلك لم يقولوه عبثًا، وإنَّما أصابوا

كبد الحقيقة؛ فلو قالوا: واجب؛ لوجب جزم الفعل المضارع (تظهر ) في قولنا: اغتنم فرصةً

تظهر لك، ولوجب جزم الفعل المضارع (تغرق ) في قولنا: لا تقترب من الماء تغرق، مع

أنَّ كلا الفعلَين مرفوعان، رغم وقوعهما (ظاهريًّا ) في جواب الطَّلب، وذلك لعدم ترتُّب

الجواب على الطَّلب؛ فكان القول بـ (جواز ) جزم الفعل المضارع الواقع في جواب الطَّلب

قولا عبقريًّا؛ حيث يفرِّق بين جزم الفعل المضارع في جواب الطَّلب، والذي لا يقع إلا بشرط،

وجزم الفعل المضارع المسبوق بأداة جزم، والذي يُجزَم مطلقًا.

ويسوق الأخوة أمثلةً وردت في القرآن الكريم، ورد فيها الفعل مرفوعًا؛ ليدلِّلوا على صحَّة

وجهة نظرهم، ومن هذه الأمثلة:
– “فهب لى من لدنك وليا يرثُنى “.
– “خذ من أموالهم صدقة تطهِّرُهم وتزكِّيهم بها “.
– “أرسله معي ردءًا يصدِّقُني “.
– “فاجعل بيننا وبينك موعدًا لا نخلِفُه نحن ولا أنت “.
– “أنزل علينا مائدة من السماء تكونُ لنا عيدًا “.
والحقيقة أنَّ هذه الأمثلة – رغم ورود الفعل فيها جميعًا مرفوعًا – لا تدعم وجهة نظرهم في شيء؛ فالفعل ورد مرفوعًا في جملة: “يرثُني “، وجملة “تطهِّرُهم “، وجملة “يصدِّقُني “، وجملة “لا نخلفُه “، وجملة “تكون “، باعتبار جميع هذه الجمل قد وقعت نعتًا، وهذا يقطعها أصلا عن كونها وقعت في جواب الطَّلب.

ولتوضيح وجهة نظري أكثر، يُرجَى ملاحظة المثال التَّالي:
– اعمل خيرًا ينجِِّكَ – اعمل خيرًا ينجِّيكَ.
الفعل المضارع في الجملة جائز الجزم وجائز الرَّفع، لا لأنَّ جزم الفعل المضارع في جواب الطَّلب جائز كما يتوهَّم الأخوة، ولكنَّه جائز الجزم؛ باعتباره واقعًا في جواب الطَّلب (ويقطعه ذلك عن كون جملته قد وقعت نعتًا )، وجائز الرَّفع لوجهٍ آخر تمامًا، وهو وقوع جملته نعتًا (ويقطعه ذلك عن كونه واقعًا في جواب الطَّلب ).

أمَّا إذا لم تتوفَّر شبهة كون الجملة نعتًا، وكان الجواب مترتِّبًا على الطَّلب، فلا يجوز عندها إلا الجزم، كقولنا: ذاكروا تنجحوا؛ فلا يجوز بأيِّ حالٍ أن نقول: ذاكروا تنجحون.