سلسلة (كنتُ معلِّمًا ) – الحلقة الثَّالثة: الغطرسة!!

يسري سلال 29 ديسمبر 2019 | 1:27 ص شخصيٌّ 1357 مشاهدة

طوال عملي بالتَّدريس، كان انطباعي عن الأشخاص المشاركِين في لجان المتابعة الوزاريَّة (القادمة من القاهرة ) إيجابيًّا؛ فقد كانوا دائمًا على أعلى مستوى من الاحترام واللُّطف والذَّوق والتَّعامُل الرَّاقي، وهذا ما عايشتُه بنفسي خلال تجربتي القصيرة في العمل بديوان عام الوزارة سنة 2005 (3 أشهر ).

ولم يخالف هؤلاء ظنِّي إلا مرَّةً واحدةً ….

في أحد الأيَّام قَدِمت إحدى هذه اللِّجان إلى المدرسة التي أعمل فيها، وتصادَفَ أنَّه كان لديَّ حصَّةٌ في أثناء مرور اللَّجنة، وكانت الحصَّة داخل غرفة الحاسب الآليِّ بالمدرسة.

دخل أحد أعضاء اللَّجنة، وبصحبته مديرة التَّعليم الإعداديِّ بالإدارة، والتي تصَادَفَ وجودها في المدرسة بهذا التَّوقيت.

حضر كلاهما شطرًا من الحصَّة، وفي نهايتها أعدَّ هذا الرَّجل تقريرًا مختصرًا عن الزِّيارة، ضمَّنه إحصائيَّات من نوعيَّة: عدد الحاضرِين، وعدد الغائبِين، ومعلومات من هذا القبيل، ثمَّ نهض سيادته من آخر الغرفة (حيث كان يجلس هو ومديرة التَّعليم الإعداديِّ )، وتقدَّم إليَّ في مقدِّمة الفصل (حيث أقف )، ثمَّ مدَّ لي يده بالتَّقرير لأوقِّع عليه.

ألقيتُ نظرةً سريعةً على التَّقرير، ثمَّ قمتُ بالتَّوقيع أسفله هكذا (يسري سلال )؛ حيث كنتُ معتادًا دائمًا على التَّوقيع بهذه الصِّيغة، والتي تضمُّ الاسم الأوَّل، واسم الجدِّ الأعلى، خصوصًا وأنَّ الجميع كانوا يعرفونني بهذا الاسم.

وعندما نظر سيادته إلى الاسم، ردَّ التَّقرير إليَّ، مطالبًا إيَّاي بإكمال التَّوقيع؛ بحيث يكون الاسم ثلاثيًّا.

ولمَّا كان الجزء المخصَّص للتَّوقيع ضيِّقًا جدًا، لم يكن من الممكن لي تعديل التَّوقيع، خصوصًا وأنَّ كتابة الاسم ثلاثيًّا تقتضي إعادة التَّوقيع مرَّةً أخرى؛ حيث إنَّ الاسم الثَّالث الذي كان عليَّ أن أضيفه يتوسَّط الاسم الذي قمتُ بالتوقيع به.

فقلتُ له: ولكنَّ الاسم الثُّلاثيَّ (يسري محمَّد سلال )، ولا مكان بالتَّقرير لإعادة التَّوقيع أسفل التَّوقيع الأوَّل، فإذا به يتغيَّر وجهه، وتتملَّكه الثَّورة، ثمَّ يسألني في حِدَّة: وكيف توقِّع بهذه الطَّريقة؟ فين أبوك؟ نسيت أبوك؟!!

والسُّؤال الأخير نطقه بغيظٍ وحدَّةٍ بالغَين، وكأنَّه يشتمني!!

ثمَّ، وفي ردِّ فعلٍ غير معقولٍ، ولا يمكن توقُّعه بالمرَّة، قام بـ (تكوير ) التَّقرير، ثمَّ ألقاه على الأرض، وخرج ثائرًا!!

المشكلة الكبرى لم تكن في هذه الصَّفاقة وقلَّة الذَّوق، وإنَّما المشكلة الحقيقيَّة أنَّ هذه المهزلة، دارت رُحاها على مرأى ومسمع من تلاميذي، الذي كانوا يتابعون مذهولِين، وكأنَّ على رءوسهم الطَّير!!

لم يتخيَّلوا أن يُهَان معلِّمهم، الذي يحترمونه، مثل هذه الإهانة، لدرجة أنَّني عندما نظرتُ إليهم لأستطلع ردَّ فعلهم، أحسستُ أنَّهم يتحاشون النَّظر إليَّ؛ حتَّى لا يُشعِروني بالإحراج.

وأُسقِط في يدي، وأحسستُ بطعنةٍ غادرةٍ أدمت قلبي، وأدركتُ أنَّ هذه معركة فُرِضت عليَّ، وأنَّه لا بديل عن خوضها بشرفٍ حتَّى النّهاية.

وأضمرتُ الشَّرَّ، ونويتُ على الانتقام!!

ولأنَّ مديرة التَّعليم الإعداديِّ، التي ساقها حظُّها العسر إلى حضور هذه المعمعة، تعلم علم اليقين، أنَّني لا أنام على ضيمٍ، ولا أستنيم للحوادث، ولا أقبل الإهانة أيًّا كان مَن وراءها، وأنَّني أدافع عن كرامتي بالظُّفر والنَّاب؛ وأنَّ مَن طعنني في كرامتي طعنتُه في قلبه ولا أبالي. لكلِّ ذلك، فقد توجَّست خيفةً، وتيقَّنت بأنَّ هولا قادمًا على الطَّريق!!

لكلِّ ذلك، فقد فُوجِئتُ بها (خلال فسحة النَّشاط ) تصطحب هذا الشَّخص، وتدخل عليَّ (حيث أجلس في الطُّرقة )، وكأنَّها تريد تقريب وجهات النَّظر، وصرف سوء التَّفاهُم.

لا أعرف ما دار بينهما، ولعلَّها حذَّرته من ردِّ فعلي، وأنَّني لن أسكت على هذه الإهانة.

ولم يشأ هذا الشَّخص أن يظهر في صورة الخائف، أو المسترضي، وثَقُل عليه أن يظهر في صورة المعتذر؛ فقال لي (لكي يظهر الأمر أنَّه مَن تنازَلَ لأجل خاطر مديرة التَّعليم الإعداديِّ ): واللهِ لولا السِّتِّ دي لكنت اتَّخذت معاك إجراء يخلِّيك تلفّ حوالين نفسك!!!!!!!!!!

ولأنَّه لا يعرفني، فقد ظنَّ أنَّه بهذه الطَّريقة سيجعلني أخاف منه، ولكنَّني قلتُ له مبتسمًا وساخرًا:
هتتَّخذ معايا إجراء يخلِّيني ألفّ حوالين نفسي .. عشان وقّعت باسمي ثنائي؟؟!!

فنظر إلى السَّيِّدة معه، وقال ثائرًا: شايفه؟ الأستاذ بيتَّريق!!

كان سيادته يتوقَّع أنَّ مكانته – كعضوٍ في لجنةٍ وزاريَّةٍ – تبيح له أن يستبيح كرامة النَّاس، وأن يهدر آدميَّتهم، ولكنَّني – بفضل الله – لقَّنتُه درسًا لن ينساه.

في اليوم التَّالي مباشرةً، شكوته في النِّيابة الإداريَّة، بل وسافرتُ خصِّيصًا إلى القاهرة؛ لأشكوه في الشُّئون القانونيَّة بالوزارة.

وبعدها بعدَّة أشهرٍ، وبعد انتدابي للعمل بديوان عام الوزارة بالقاهرة، استطلعتُ الأمر في قسم الشٌّئون القانونيَّة هناك، وعلمتُ بأنَّه عُوقِب بخصم ثلاثة أيَّامٍ من راتبه!!